سئل شيخ الإســـــلام:
ما تقول أئمة الإسـلام في الحلاج؟
وفيمن قال:أنا أعتقد ما يعتقدهُ الحلاج، ويقول:إنهُ قُتل ظلماً كما قتل بعض الأنبيــاء ، ويقول: الحلاج من أوليـاء الله، فماذا يجب عليه بهذا الكلام ، وهل قتل بسيف الشريعة؟
فأجــاب شيخ الإسلام:
الحمد لله .
من اعتقد ما يعتقدهُ الحلاج من المقالات التي قتل عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين ، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحـاد ، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحـاد كقوله:أنا الله . وقولهِ:إله في السمـاء وإله في الأرض.
قال الشيخ:
والحلاج كانت لهُ مخاريق وأنواع من السحر ، ولهُ كتب منسوبة إليه في السحر.
وبالجملة:
فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر ، واتحـادهِ به ، وإن البشر يكون إلهاً وهذا من الآلهة فهو كافر مباح الدم، وعلى هذا قُتل الحلاج.
ومن قال:
إن الله نطق على لسان الحلاج ، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسان:أنـا الله فهو كافر باتفاق المسلمين، فإن الله لا يحل في البشر ، ولا تكلم على لسان بشر.
قال شيخ الإسلام:
وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات لهُ عند قتلهِ، مثل كتابة دمهِ على الأرض الله ، الله، وإظهار الفرح بالقتلِ أو نحو ذلك ، فكلهُ كذب ، فقد جمع المسلمون أخبـار الحلاج في مواضع كثيرة كما ذكر ثابت بن سفيان في أخبار الخلفاء-وقد شهد مقتله- ، وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه ، وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد ، وكما ذكر القاضي أبو بكر الطيب ، وأبو محمد بن حزم وغيرهم ، وكما ذكر أبو يوسف القزويني ، وأبو الفرج بن الجوزي ، فيما جمعا من أخباره.
وقد ذكر الشيخ أبو عبدالرحمن السلمي في طبقات الصوفية أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق ، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسـالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق.
وما نعلم أحداً من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير ، لا من العلمـاء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه ؛ لأنه لم يعرف أمره ، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتلهُ في الظاهر ، فالقاتل مجاهد ،والمقتول شهيد، وهذا أيضاً خطأ.
وقول القائل:
إنهُ قتل ظلماً قولٌ باطل، فإن وجوب قتلهِ على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين ، لكن لما كان يظهر الإسـلام ويبطن الإلحــاد إلى أصحـابه صار زنديقاً ، فلما أُخذ وحبس أظهر التوبة ، والفقهــاء متنازعون في قبول توبة الزنديق ، فأكثرهم لا يقبلها وهو مذهب مالك وأهل المدينة ، ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه ، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة ، ووجه في مذهب الشافعي ، والقول الآخر يقبل توبته.
وقد اتفقوا على أنهُ إذا قُتل مثل هذا لا يقال قُتِلَ ظُلماً.
وأما القائل:
أن الحلاج من أولياء الله ، فالمتكلم بهذا جاهل قطعاً ،متكلم بما لا يعلم ، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد ، فإن ولي الله –تعالى- من مات على ولاية الله ، يحبه ويرضى عنه ، والشهـادة بهذا لغير من شهد لهُ النبي-صلى الله عليه وسلم- بالجنة لا يجوز عند كثير من العلمـاء أو أكثرهم ..
المرجع مجموع الفتاوى (2/480 وما بعدها) والحلاج هو الحسين بن منصور بن محمي، قُتِلَ سنة 309هـ؟